سياق وقراءة في المشروع

إصلاح الجامعة بين الضرورة والمخاطر

يأتي مشروع القانون الجديد المنظم للتعليم العالي والبحث العلمي في لحظة دقيقة من مسار إصلاح الجامعة المغربية، إذ يطرح للنقاش البرلماني وسط حالة من الترقب والجدل داخل الأوساط الجامعية، بما في ذلك الأساتذة الباحثون والطلبة والهيئات النقابية والإدارية. فالمسألة لم تعد تقنية محضة تتعلق بهيكلة المؤسسات أو تنظيم التكوينات، بل غدت قضية تتصل بمستقبل الجامعة ودورها في بناء مجتمع المعرفة، ومدى استقلالها الأكاديمي والإداري، وطبيعة العلاقة التي ينبغي أن تربطها بالدولة وبمحيطها الاجتماعي والاقتصادي.

قصور القانون 01.00 ودواعي التغيير

لقد بدا واضحا أن القانون رقم 01.00، الذي وضع في مطلع الألفية، لم يعد قادرا على استيعاب التحولات العميقة التي عرفها الحقل الجامعي، سواء من حيث توسع قاعدة الطلبة وتعدد مؤسسات التعليم العالي، أو من حيث تنامي الحاجة إلى ربط التكوين بالبحث العلمي وسوق الشغل، أو من حيث تزايد الضغط على موارد التمويل العمومي. لذلك جاء مشروع القانون الجديد ليعيد النظر في منظومة الحكامة، ويدخل مفاهيم جديدة مثل "مجلس الأمناء" و"العقد بين الدولة والجامعة" و"التمويل المتعدد المصادر"، وليعيد ترتيب الأدوار بين الفاعلين داخل المنظومة، في محاولة لتجاوز أعطاب التشتت وضعف التنسيق.

التوجس من "التدبير المقاولاتي" للجامعة

غير أن هذا المشروع الذي يفترض أن يكون تتويجا لمسار إصلاح طويل، أثار منذ الإعلان عن خطوطه العريضة نقاشا واسعا حول طبيعة التوجه الذي يحكمه. فبين من يرى فيه خطوة نحو تحديث التعليم العالي وإخراجه من البيروقراطية التقليدية، ومن يعتبره محاولة لإعادة تركيز القرار في يد الإدارة المركزية وتقليص صلاحيات المجالس المنتخبة داخل الجامعة، يتشكل مشهد من التوجس والحذر. فمفهوم الاستقلالية الجامعية الذي طالما اعتبر أحد أعمدة الحياة الأكاديمية، يبدو في نظر كثيرين مهددا حين تتحول الجامعة إلى مجرد مرفق يخضع لتدبير شبه إداري، بدل أن تكون فضاء لتداول المعرفة وإنتاج الفكر الحر.

الهوية والإنصاف الاجتماعي

ويبرز التخوف أيضا من أن بعض مقتضيات المشروع قد تمس التوازن الداخلي بين مكونات الجامعة، سواء في ما يتعلق بوضعية الأساتذة الباحثين أو الموظفين الإداريين أو الطلبة. فالمسألة لا تتعلق فقط بتقنيات التدبير، بل بهوية المؤسسة الجامعية نفسها: هل هي مؤسسة عمومية ذات رسالة وطنية قوامها الحق في التعليم وإنتاج المعرفة، أم مؤسسة تسير تدريجيا نحو منطق السوق والعقود والربحية؟ فحين يفتح المشروع الباب أمام الشراكات الموسعة مع القطاع الخاص، أو أمام إمكانية استقطاب مؤسسات أجنبية، فإن الأسئلة تطرح حول الضمانات الكفيلة بعدم تحويل التعليم العالي إلى سلعة، وحول كيفية الموازنة بين الجودة والانصاف الاجتماعي.

الحرية الطلابية والبعد القيمي

كما يثير المشروع جدلا حول التمثيلية الطلابية داخل الجامعة. فالقانون المقترح يضع ضوابط جديدة للنشاط الطلابي قد تفهم على أنها تقييد لمجال التنظيم الحر الذي كان قائما في الجامعة المغربية منذ عقود. والواقع أن الجامعة ليست مجرد فضاء للتحصيل الأكاديمي، بل هي أيضا مختبر للتنشئة على قيم المشاركة والمسؤولية والمواطنة، ما يجعل من حق التنظيم الطلابي جزءا من هوية الجامعة الديمقراطية. لذلك فإن أي إصلاح لا يستحضر هذا البعد القيمي والسياسي، يخشى أن يفرغ الجامعة من روحها ويحولها إلى "مؤسسة تقنية صامتة".

إشكاليات التمويل ومجلس الأمناء

وبموازاة ذلك، يطرح المشروع تصورا جديدا للتمويل يقوم على مبدأ التنويع وربط الموارد بالأداء والنجاعة. وهو توجه منطقي في سياق البحث عن الكفاءة المالية، لكنه يثير تساؤلات حول إمكانية تطبيقه في واقع جامعي يعاني من تفاوتات مجالية صارخة ومن ضعف في البنيات التحتية والموارد البشرية. كما أن ربط التمويل بالتقييم قد يؤدي، إن لم تضبط معاييره، إلى إقصاء الجامعات الفقيرة أو تلك التي تشتغل في مجالات نظرية أو إنسانية لا تدر مردودية اقتصادية مباشرة، مما يتنافى مع مبدأ العدالة المعرفية.

من جانب آخر، يسعى المشروع إلى إرساء نوع من التمركز بله الضبط في اتخاذ القرار عبر "مجلس الأمناء"، الذي يفترض أن يضطلع بدور في التوجيه والمراقبة والتخطيط. غير أن تركيبة هذا المجلس وصلاحياته المقترحة تثير المخاوف من عودة الوصاية على الجامعات ومن تغليب منطق التعيين على منطق الانتخاب والمساءلة.